بسم الله الرحمن الرحيم ....
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق قال : جاء رجل إلى أبي ذرّ فقال : يا أبا ذرّ ! مالنا نكره الموت؟ فقال : لأنّكمعمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب ، فقال ــ الرجل ـ : فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال:أمّا المُحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله ، وأمّا المُسيء منكم فكالآبق يُردّ على مولاه ) .
الآبق : أي الهارب .
.... أعجبتني كثيرا هذه الرواية عن أبي ذر .... وبهرني رده الحكيم - كيف لا وهو تلميذ اعظم معلم -
فاحببت ان انقلها لكم ... فنقف عندها ونعلق عليها ...
الموت حق ....
ولكن هناك من يفر منه كفرار العبد الهارب من صاحبه الذي يسومه سوء العذاب .... وترتعد فرائصه
عند ذكر اسمه فقط .
وهناك من يكرهه .... ولكنه مسلم به و ومتوقعا لزيارته في أي وقت .... ومعدا العدة – ولو قلت –
لضيافة ذلك الزائر الثقيل ...
يقل الخوف من الموت ويزيد ..... يقل خراب الدنيا ويزيد بناء الآخرة أو العكس ..... كلما قلت أو كثرة
شهوة النفس وحب الدنيا والانشغال بهما ...
حب الدنيا وحب الآخرة في قلب لايجتمعان ....
لأن حب الدنيا يقتضي هوى النفس وتحقيق الرغبات التي لا تنتهي ... فهي كالأكل والشرب .... كلما
أكلت وشربت .... فستجوع وتعطش بعد مدة قصيرة.... وهكذا جميع شهوات النفس .. لا تسد ولاتشبع!
فينشغل الإنسان بها ( لا محالة ) كلا على قدر سعيه ومحبته لنفسه وللدنيا ..... مما يودي إلى نتيجة
حتمية ..... ألا وهي :
بناء الدنيا وخراب الآخرة .
أما حب الآخرة يقتضي مخالفة هوى النفس ورغباتها .... فينشغل الإنسان بتحقيق غيرها من المكاره ...
والتي هي بلا شك ما ترك ذلك الهوى وتلك الرغبات إلا من أجلها .... ألا وهي بناء الآخرة ....
ففي النهاية ....هناك إنسانان لا ثالث لهما :
إنسان يبني دنياه ويخرب آخرته ....
وإنسان يبني آخرته ويخرب دنياه ....
إنسان يستمتع بالحاضر وان قصر .... وقد ينتهي بغمضة عين ...
وإنسان يصبر على الحاضر ويتحمل .... من اجل أن يسكن غدا فيما بناه .....